Ticker

6/random/ticker-posts

إبراهيم مسيحة يكتب: ديوان الحياة الفيومية صحافة الفيوم في 3 قرون

  إبراهيم مسيحة

كانت صحف الفيوم منذ نهاية القرن التاسع عشر وجبة دسمة يستمتع بها القارئ على مدار الأسبوع تقريبا ومنذ العشرينيات والثلاثينيات من القرن الماضى كنت تقرأ يوم السبت «جريدة قارون» والأربعاء «المؤتمر» والخميس «بحر يوسف» والجمعة «جريدة الفيوم» لهاشم عبدالحى ومع منتصف الأربعينيات وكل ثلاثاء كانت تصدر جريدة «المجتمع».. وحتى بعض الأيام التى كانت تخلو من صدور جريدة أسبوعية كنت تفاجأ بصدور عدد خاص من أى جريدة فى مناسبة معروفة أو أخرى تطرأ على مجتمع الفيوم كزيارة أحد المسؤولين للإقليم مثلا..

فإذا أضفنا المجلات الشهرية إلى تلك الباقة من الصحف الأسبوعية مثل «أخبار الشهر» وغيرها مما لم يتوفر لهذه الدراسة أن ترصده يكون القارئ الفيومى فى حالة ترقب يومى لصحفه لنجد أن الصحافة الإقليمية بمثابة ديوان للحياة الفيومية.

لاحظت أثناء رصدى للصحف الإقليمية قديما- وقد يكون هذا حال الصحافة فى معظم أقاليم مصر- أن معظم من قاموا بتأسيسها أو تحريرها كانوا من أصحاب المواهب الأدبية الفذة.. وكان لذلك مردوده على المادة التى تضمنتها هذه الصحف بل وعلى جودة الأسلوب ورصانته فى عرض الأخبار والموضوعات غير الأدبية مثل الرياضة وحتى الإعلانات وهذا يحسب لصحافة الفيوم على مدى تاريخها وحتى نهاية ستينيات وأوائل سبعينيات القرن الماضى تقريبا عندما كانت المادة الأدبية تفرض نفسها بقوة على معظم الصحف الفيومية.. أما اليوم ومنذ خمسة عقود تقريبا فقد طغت المادة الصحفية على الأدبية فى صحف الفيوم.. وفى السطور التالية نستعرض لك عزيزى القارئ صحافة الفيوم الإقليمية منذ بدأت فى ٢٦ يناير سنة ١٨٩٤ وذلك بصدور العدد الأول من جريدة «الفيوم» لمؤسسها «إبراهيم محمد رمزى» وهو أحد أعلام الصحافة المصرية فى نهايات القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين وقد استمدت الجريدة اسمها من اسم مسقط رأسه الفيوم.

وقد وافق يوم صدورها زيارة الخديو عباس حلمى الثانى للفيوم.. وقد قابل إبراهيم رمزى الخديو فى هذه المناسبة وقدم له نسخة من أول أعداد الجريدة ومرفقا معها كتاب عنوانه «تاريخ الفيوم» وتعد هذه الجريدة من الصحف الرائدة بين الصحف الإقليمية.

غلاف الكتاب

غلاف الكتاب

فى عام ١٨٩٦ صدرت جريدة أخرى على اسم الفيوم كان مؤسسها هو ميلاد مغربى.. وقد توقفت الصحيفتان بعد سنوات قليلة من صدورهما وأيضا كان هذا حال صحف فيومية أخرى مثل الوادى والهدير ونهر النيل ومجلة آداب الفتاة ونذكر أسماء مؤسسيها على الترتيب وهم: هاشم عبدالحى ومحمد على الخطيب وكامل زخارى وفيكتوريا مجلى وذلك فى عشرينيات وثلاثينيات القرن الماضى وفى السطور التالية نجد أنفسنا على موعد مع تاريخ هام فى صحافة الفيوم الإقليمية يتحقق فيه تعبير «ديوان الحياة الفيومية» ألا وهو ٤ إبريل ١٩٢٤ وهو تاريخ صدور العدد الأول من جريدة قارون لمؤسسها الصحفى والشاعر «زكى يوسف الفيومى» وكانت خطوة جريئة إذ كانت تلك فترة حساسة فى تاريخ مصر اتسمت بالصراع بين الشعب والقصر والإنجليز والأحزاب وكان القيام بأى مشروع وطنى مغامرة فضلا عن القيام بإنشاء جريدة تجعل شعارها قول «أرسطو»: الحق أحب إلى من الأستاذ. حرص الفيومى على أن يصدر أول عدد من قارون فى أول أيام العام الهجرى وأن يجعل عنوان مقاله الافتتاحى (الفاتحة)..ف إذا عرفنا أن الرجل مسيحى أدركنا إلى أى مدى كان المصريون مسيحيين ومسلمين يذوبون فى بوتقة واحدة تلقائيا دون حاجة مطلقا إلى شعار يؤكد أنهم نسيج واحد.

قبل أن ينتهى عام ١٩٣٠ أضيف إلى صحافة الفيوم جريدة أخرى هى «بحر يوسف» (هو اسم المجرى المائى العذب الذى يقسم مدينة الفيوم إلى نصفين والمعروف باسم بحر يوسف). وكانت تصدر أسبوعية يوم الخميس لمؤسسها الحاج شافعى حسن الذى جعل شعارها الآية القرآنية الكريمة «فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث فى الأرض».

وقد تميزت هذه الجريدة بمقالات للمخرج أحمد بدرخان ابن الفيوم عن السينما، ومن المواقف الجديرة بالذكر أن أبناء مؤسس بحر يوسف حرصوا على إصدار هذه الجريدة بعد وفاته عام ١٩٥٤ وقد تزينت الجريدة أسبوعيا بمقالات لكبار كتاب مصر والعالم العربى منهم الدكتور طه حسين والدكتورة سهير القلماوى كما حملت ضمن رسالتها أن تفتح بابها للمجال الرياضى ببعض الأخبار والتحقيقات الصحفية بتوقيع أنيس مرسى وماهر نجيب.. أما افتتاحية العدد فكان يكتبها الابن محمود شافعى تحت اسم «حديث الناس» محللا المسائل السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية والتربوية.

لم يمض عقد الثلاثينيات حتى ظهرت إلى حيز الوجود جريدة إقليمية أخرى باسم «المؤتمر» أسسها عبدالواحد الصاوى عبدالله عام ١٩٣٧ مستلهما اسمها من المؤتمر الذى انعقد بمدينة «مونترو» السويسرية خلال الفترة من ٤ لـ٨ مايو من نفس العام وتم فيه إلغاء الامتيازات الأجنبية فى مصر.. كانت بعض الصحف الفيومية تؤسس مطابع خاصة للجريدة ومنها المؤتمر وقد تبنت الجريدة معارك صحفية من أهمها معارضة مشروع تغطية بحر يوسف توسيعا للشوارع المحيطة به ونجح فى إقناع المسؤولين بالعدول عن ذلك باعتبار هذا المجرى المائى معلما بارزا من المعالم الطبيعية والسياحية وقد توفى مؤسسها فى ٢٣ أغسطس ١٩٧٣ لتغلق الجريدة أبوابها فى نفس العام.