إنّ لُب العلاقة وجوهرها أن تُؤنِس وتُمتِع، وأن تُنعِش وجدان الإنسان بفيض الدفء البشري، وأن تُخفّف وطأةَ العزلة ووحشتها فتصير العلاقة إن خلت من الإمتاع جافّةً كغصنٍ يابسٍ لا ظلّ له، وتتحول إلى قيدٍ نفسيٍّ يستهلك الروح ولا يُغذّيها إن خلت من المؤانسة، وما أكثرَ العلاقات التي تستهلك وقتك وجهدك ولا تمنحك معنى؛ لأنّها خلت من تلك الشعلة اللطيفة التي تُضيء المسافة بين قلبين.
وإن شأن الرياضة كشأن العلاقة، فجوهر الرياضة متعةُ التشارك في لحظةٍ إنسانيةٍ متفردة وفنّ الفرح بالحركة، فيها يتجلّى الانسجام في التنافس، والتواصل في الحماس الجماعيّ، والجمال في الجهد، فحين يكون شأن الرياضة هكذا، تُصبح لغةً من لغات السلام النفسيّ والاجتماعيّ ومؤانسةً كبرى بين الشعوب، إذ تُذكّر الإنسان بأنه يلعب ليمتّع نفسه والآخرين بلذّة الأداء والإنجاز لا ليُهين خصمه ويستهزأ به.
بيد أنّ التعصّب هو ما يُعكّر صفو هذه الروح، فذا هو الداء الذي يشوّه وجه الإمتاع، ويُطفئ نور المؤانسة، فالتعصّب يحوّل الرياضة من حوارٍ جميلٍ بين العقول والأقدام إلى معركةٍ بين العُقد والعقد، يُنزِلها من مقام الفنّ إلى درك الفوضى، ويُفقِدها معناها الإنسانيّ فالمتعصّب يرى الجمال في النصر وحده لا في الممارسة ذاتها، فلا يسمع سيمفونية اللعب بل صخب الأنا، وهنا تختنق المؤانسة ويُغتال الإمتاع، ويتحوّل الملعب الذي خُلق للبهجة إلى ساحة صراعٍ لا يليق بالكرامة الإنسانية ولا بالروح الرياضية، فالتعصب يحول الرياضة من احتفال بالجمال المنظَّم إلى قبحٍ فوضويّ. فهي في مقامها الأول ساحةٌ للفرح والتعبير، لكنّ التعصّب يصيرها صراعا للهوية الزائفة. وما وُجد ليكون وسيلةً لتقريب الناس صار سببًا لإثارة الشحناء بينهم، وما كان ليُؤنس النفوس صار يُثير الضغائن. وهكذا يفقد الإنسان في لحظة الغضب كلّ ما جعله إنسانًا: رقّة التذوّق لذّة المشاركة وسماحة الفرح.
وحينما لا تُمتع العلاقة ولا تُؤنِس تُفقِد معناها، كذلك الرياضة حين يسكنها التعصّب تُمارَس فيها الحركة دون روح فتصيرُ عملاً أجوف، وتتجلى حكمة الحياة بين العلاقة والرياضة: أن لا قيمة لشيءٍ يخلو من مؤانسةٍ صادقة أو لذّةٍ راقيةٍ، فمن أحبّ بلا مؤانسة ولا إمتاع أحبّ سرابًا؛ ومن تابع الرياضة بلا روحٍ وتسامح، تابع ضوضاء لا معنى لها، فالمؤانسة هي الأدب والإمتاع هو الفنّ، وهما معًا قوام كلّ ما هو إنسانيٌّ فينا.
إنّ المُؤانسة نَسيمُ الحياة والإمتاع لونُها، والعلاقة والرياضة إن خَلَتا منهما صارتا ككلمةٍ بلا رُوح أو كجسدٍ بلا نَبض، فكما أن الجمال يُقاس بعمق الشعور به لا بطول النظر إليه، كذلك لا تُقاس العلاقة بطول العِشرة، ولا الرياضة بعدد المباريات، بل بما تُحدِثانه في النفس من طمأنينةٍ إنسانيةٍ ولذّةٍ ساميةٍ تشبه نغمةَ انسجامٍ بين قلبٍ وعقلٍ وجسد.
فاحرص دوما أن تكون رياضتك علاقةً إنسانية وعلاقتك رياضةً راقية، فَدَعِ المؤانسة تُهذّبك والإمتاع يوجّهك، فكلّ ما لا يُؤنس قلبك ولا يُمتع روحك، لا يستحقّ منك ولاءً ولا وقتًا، فالحياة قصيرةٌ عن أن تُعاش في خصامٍ مع الجمال أو في جفاف من اللطف، فإنّ الإمتاع والمُؤانسة ليسا ترفيهًا طارئًا ولا ترفًا اجتماعيًّا على كينونة الإنسان، بل هما سرُّ التوازن في عالمٍ يزدحم بالعبث والضجيج والعلّة الجمالية للوجود، فكلّ رياضةٍ بلا إمتاعٍ هي تمرينٌ على القسوة، وكلّ علاقةٍ بلا مُؤانسة هي عبودية، والإنسان في جوهره كائنٌ جماليّ، يُحسّ بالحياة حين يجد فيها صوتًا يُحادثه ومعنى يُبهجه.
فالمؤانسة أن تجد في الآخر امتدادًا لذاتك لا خصمًا لها، والإمتاع هو أن ترى العالم رغم عيوبه جميلًا، وهما جوهر كلّ اتصالٍ حيّ، سواء كان بين عقلٍ ونصٍّ في لحظة قراءة، أو بين فريقين في مباراة، أو بين رُوحين في حبٍّ، فمن فقد المؤانسة عاش قلبًا بلا نبض، ومن فقد الإمتاع عاش بصرًا بلا بصر، فيا صديقي.. إنّ الإنسان الذي لا يُؤنِس ولا يُؤنَس به، والذي لا يُمتِّع ولا يَتمتَع، إنما يعيش على هامش الحياة، كظلٍّ لشيءٍ لم يكتمل، فليكن فيك من العلاقة رِقّةُ الوجدان ومن الرياضة سعةُ الصدر، ولْتكن حياتك ملعبًا للمحبّة لا ميدانًا للتعصّب، ويبقى قانون الوجود واحدًا: «كلّ ما لا يُؤنس ولا يُمتعُ لا يستحقّ أن يُعاش».

تابعنا علي وسائل التواصل الاجتماعي