وقفوا جميعاً ينظرون لها وهي الملكة الجميلة المتوجة ، فائقة الجمال ، رأوها تتجمل أكثر فأكثر ، فهي اليافعة والناضرة من بنات جيلها ، لا يشبهها أحد ، فهي من تربةً علي القيم والأصول ، نظراتها وديعة ، صوتها يزيد جمالاً عن صوت بلبل مغرداً لحبيبتة ، جمالها طبيعي فلا تعلم كيف تكون الزينة ، لا ترتدي الحُلي ، لُباسُها جميل وطويل ولكن لا يستطيع أخفاء جمالاً يثور كالبركان وسط الحدائق، خطواتها ثابتة ، قوامها ممشوق ، ظهرها منصوب لا ينحني ، ولكن أنوثتها وأحمرار أطرافها تفجر نظرات الرجال الراغبين في إشباع غرائزهم ، أبنائها كثيرين .. يعشقونها ولا يرون سواها .. لا يتركوها .. فهُم الحصن المنيع لها ، والعقبة الوحيدة لكل من يريد التجرؤ عليها .. فهي بالنسبة لأولادها المنارة الساطعة ، والأم الحنون ، والأخت الجميلة ، والحبيبة المدللة ، تعشقهم وهم بالكاد يعشقونها ، لأنها الأم التي ضحت من أجل ابنائها ولا تنتظر أن تلقي بنفسها في الجحيم من أجل ابنائها ، فهي من زرعت القوة والعزيمة والاصرار والارادة في ابنائها بدون تمييز .
أبنائها قلعة حصينة حولها .. فلا تخترقها أمواج أو رياح أو أعاصير .
كل هذا .. جعل أعدائها يزدادون حقداً ، يريدونها ضعيفة وهزيلة ، يتمنوها ضحية لهم ينهشون فيها كما يريدون ، يتربصون من بعيد ، فكيف كل هذا النعيم وهذا الجمال لها هي وحدها .
هي تعلم ما بداخلهم .. ولكنها تتجاهلهم . ولا تقدرهم . ولا تتعاون معهم ، حاولوا التدخل في أمورها الشخصية ولم يستطيعوا فعل ذلك ، نشروا الشائعات وهي لا تبالي ، وجهوا لها أساءات كثيرة وسامحتهم ، الحسد والغيرة والانتقام جعلهم يتحدون ضدها ، فهم يعلمون أن الاتحاد قوة ، وأن اليد الواحدة لا تُكسر حجراً ، فكيف الحال في قلعة حصينة مثلها ؟؟
تكاتفوا .. إتحدوا .. تحالفوا ضدها .. اجتمعوا جميعاً ليخططوا كيف يوقعونها ؟؟ كيف يدمروها ويجعلونها هزيلة ؟؟ أعوزهم الوقت .. ولكنهم صبروا من اجل ما ورائها من مكاسب تزيل جميع المتاعب ، يبدل حالهم الي حالً آخر .
سيرتدون المعاطف .. ويرتدون البدل الكلاسيك أيضاً .. قبعاتهم الصوفية للشتاء .. وقبعات البيسبول للصيف .. أحذية من جلود التمساح والثعبان .. سيتغزلون في الذهب الأحمر .. سيشعرون بنعومة فرائها .. وأيضاً يستنشقون عطورها الباهظة .
بدأوا التنفيذ علي استحياء .. قدم تتقدم .. وقدم تتأرجح ...
أعزوا بعض أحبائها الطامعين ببعض من المال .. وبعضهم بالحرية .. وبعضهم بالاستقلال ، هذا بخلاف الصداقات والهيبات .
ثم دخلوا في صراعات عدة مع ابنائها .. منهم من قُتل غدراً .. ومنهم من قُتل بالمواجهة وهم عُزل من السلاح .. وآخرون آسروهم .. أخيراً وصلوا إلي ما أرادوا .. ف اليوم هي في مواجهة مع ذئاب بشرية .. وحوش خاطفة .. لا يفكرون سوا أن رغباتهم الجامحة سوف تهدأ .. ظمأ الانتظار يقترب للنسيان .. تكاد نظراتهم أن تروي من أنوثتها المتفجرة .
التفوا حولها .. بدأوا تضييق الخناق .. سدوا أمامها جميع الطرق والحلول .. بدأوا يهاجمونها .. نهشوها .. قبَلوها بالأربطة .. محاولات إعتداء شتي .. ولكنها محاولات فاشلة .. قبلات متفرقة وبوحشية ولكنها صامدة ..
فكيف تُقتل أبنائها وهي تخضع لقاتليهم ؟؟ .. وبعد محاولات عدة .. ولكنها أبداً لم تستسلم ولا يصلوا إلي مرادهم .. تركوها لمصير مجهول .. تركوها لأوجاعها .. وبالطبع أوجاعها النفسية أقوي بكثير من اوجاعها الظاهرية .
سقطت !!..
نعم .. سقطت !!
سقطت في الوحل .. ثيابها ممزقة .. تختلط دموعها بين الفرح والحزن .. تقف وحيدة ضعيفة ومرتعشة .. ولم تخشي من أطلاق صُرخات مكتومة بداخلها .. وهي الملكة المعتدي عليها ..
ذهبت إلي منزلها .. جلست تفكر بعد فترة من الهدوء !! وبعد فترة أكتشفت أن بعد كل ذلك وقفت أمام كل هؤلاء منتصرة ،، فكيف أمام كل هذا الضغط والعدوان لم تنكسر لأحد من أعدائها بل وقفت مرفوعة الرأس .. أنها لم تضعف لهم .. أدركت حينها أنها أقوي من أعدائها .
نعم يسكنها آلم فراق أبنائها .. ودمار يتم اصلاحه بعد عقود من الزمن .. فرحت لأنها مازالت بكرامتها وقوتها أيضاً .
أخذت وقت لتفكر .. اعادت ترتيب أوراقها .. وضعت يدها علي اسباب ضعفها .. ادركت اين تكمن قوتها ؟؟ .. علمت انه هناك عودة .. فهم لايتركونها تتجمل مرة أخري .. فكيف لها أن ترد الصاع صاعين .. وأن تأخذ حقها من جميع من حاولوا كسرها وتدميرها وإذلالها .
أحضرت ورقة وقلم .. بدأت أن تدون جميع ما حدث معها .. أتت بأُناس شاهدوها وهي معتدي عليها .. ودونت ما بين السطور من معاني .. فهي تعلم معني كلمة الشاهد الناظر للحدث .
كتبت مذكراتها .. فترة منهكة .. وفترة حزينة .. وفترة دامعة .. سألت نفسها أخيراً سؤال مهم .. كيف يضعون يدهم عليّ وأتركهم وأنا الحرة صاحبة الدم الفأر ؟
بدأت تخطط ...
نعم .. خططت وهي وحيدة .. لم يساعدها أحد علي تفكيرها بالأنتقام .. سابقاً دعت إخواتها للأيقاف بجوارها .. ولكنها صُدمت ( لا حياة لمن تنادي ) .. جُرحت منهم وحزنت ولكن معركة الشرف والكرامة لا تنتظر إخوة أو أصدقاء ..
عادت إلي أوراقها ودونت كل ذلك .. وبدأت تكتب خططتها بأحكام .. لا يعينها ولا يساندها في خطتها إلا الله وهي الوحيدة من بعده .. وهي تدرك أنها المحبوبة والمدلله إلي الله حيث كان يذكرها كثيراً ..
بدأت تنجب أولاداً كثيرة ، غير مكترسة لنوعهم ، فالذكر .. يواجة من اجل أمة ، والأنثي تراعي أمها وأخواتها ، طعمت قلعتها بالفلاذ ، أحاطت مملكتها بالصبار الشائك ، طورت ساحات التدريب لابنائها ليتعلموا فنون القتال ، علمت أولادها الدعاء قبل الرماية ، وجعلت منهم قوات متعددة ، ضفادع يسبحون أميالاً لا يرهقون ، رُماة متعددة ، حملة سيوف ، فرسان ، مضانيك ، ولم أتناسي دهاء التخطيط ، ولم انسي ايضاً طيوراً تحلق في كل أرجاء مملكتها ، حصنت أولادها بعتاد لا ينتهي ، ألبست أولادها لُباس خاص للمعارك لا يطعن ، وحاوطت قلعتها بجدار لا يخترق ، .
وأخيراً ..
فطمت ابنائها عن ما حدث لها قديماً ، وما حدث لآخواتهم الذين رحلوا وفاءاً لآجلها ، اثارت لديهم عزيمة الرجال ، كانت معركتها قديماً ، معركة شرف وكرامة ، ولكن اليوم هي معركة أكون أو لا أكون ، ولا ابالغ بأنها ستكون معركة الثأر الكبري وتكسير العظام .
واليوم اتي ..
فالكل يقف مذهولاً لها ولابنائها .. من أين أتت بهذة الشخصية الفريدة ، قديماً كانت هزيلة وضعيفة ، واليوم شديدة وقوية ، ابنائها يلتفون حول الجدار ليل نهار ، متمنيين محاولة زعزعة أو أختراق لمملكتهم ، جعلت من ابنائها قوة لا يستهان بها ، يمتلكون بطش الانتقام ، وحوش تأكل الأخضر واليابس ، عزيمة مفرطة ، إرادة من حديد .
ولكن أعدائها يعلمون الآن أن الدرس سيكون قاسي ، والانتقام من ابنائها سيدمرهم ، فالاقتراب من ابنائها معناة أنهم لن ينعمون بالخير مرة أخري ، ومعني محاولة الأختراق هو اللا عودة مجدداً ، وأنهم إن حاولوا الاقتراب ستلتهمهم نار لا تنطفئ ، والحساب سيكون أمر وأصعب من قبل ، لأنها أصبحت لا تقهر بعزيمة رجالها وأبنائها ، ولا تنتظر معونة من أحد .
وهذا لأنها مصر يا سادة ، أرض الحضارة والأصالة ، أرض العزة والكرامة ، مصر التي جعلت التاريخ يُكتب من أراضيها ، ولا يتحدث سوي عن مصر وكفي ، مصر التي تحدت العالم أجمع بعلم ابنائها وثقافتهم .
الحضارة ولدت في مصر ، الأصرار وجد في مصر ، الكرامة بدأت من مصر ، العزة خلقت من أجل مصر .
فمن يكتب سوي القلم ومن يسطر سوي التاريخ عن من ؟ .. عن مصر
تحياتي لأهل مصر وشعبها أينما كانوا وأينما وجدوا .
والتحية الكبري والعظمة لمن ؟ .. لمصر .
تابعنا علي وسائل التواصل الاجتماعي